Saturday, July 25, 2015

تقرير اقتصادي : الإدارة العامة الحالية فشلت في الإصلاح في حقبة رواج النفط


أشار تقرير "الشال" الاقتصادي اليوم إلى أن الإدارة العامة الحالية فشلت في الإصلاح في حقبة رواج النفط، واستمرارها في تولي مهمة مواجهة هذا التحدي الكبير لانخفاض أسعار النفط فيه تضحية بالكويت.
وجاء في التقرير:
1. تقرير الاستقرار المالي 2014
صدر عن مكتب الاستقرار المالي في بنك الكويت المركزي الأسبوع قبل الفائت تقرير الاستقرار المالي 2014، وهو الثالث من نوعه، ويعرض لمؤشرات وتفاصيل تعني تقدماً في النوعية وتقدماً في مستوى الشفافية، وهو أمر يشكر عليه كلاً من الدائرة المسئولة وبنك الكويت المركزي. وسوف نعرض بإيجاز شديد لبعض المعلومات والمؤشرات التي استعرضها التقرير والتي تؤكد سلامة أوضاع القطاع المصرفي المحلي سواء من ناحية نمو أعماله أو انحسار المخاطر عليها.
فالتقرير يؤكد أن نمو أصول البنوك في عام 2014 كان الأعلى منذ أزمة العالم المالية وللعام الثاني على التوالي وبنسبة 12.2%، مقارنة بنسبة 11.9% في عام 2013، وضمنها حققت محفظة القروض وهو النشاط الرئيسي للبنوك نمواً بنحو 11.5%، مقابل 8.1% في عام 2013، وهي أعلى نسبة نمو تم تسجيلها خلال السنوات الخمس الأخيرة، واستحوذت القروض على نحو 61.5% من إجمالي الأصول. صاحب هذا النمو في إجمالي الأصول تحسناً في نوعيتها، وتزامن مع نمو محفظة القروض انحسار في نسبة المتعثر منها إلى ما دون مستوى عام 2007 البالغ 3.8%، إذ أصبحت نسبة المتعثر في عام 2014 نحو 2.9%، وبلغت نسبة تغطية المتعثر نحو 164% بينما كانت نسبة تغطيتها قبل الأزمة المالية العالمية أي في عام 2007 نحو 87%. ورغم تساوي عدد البنوك التقليدية والإسلامية، أو خمس بنوك لكل منهما، إلا أن البنوك التقليدية ظلت أكثر هيمنة في امتلاك الأصول إذ استحوذت طوال الأعوام الخمس الأخيرة على نحو 60.3% تقريباً من إجمالي تلك الأصول، ربمـا نتيجـة حداثـة تأسيـس أو تحـول بعـض البنوك الإسلامية. مؤشر آخر لصالح البنوك التقليدية هو في انخفاض نصيبها من القروض غير المنتظمة إلى نحو 51.7% رغم مساهمتها بنسبة 59.8% في محفظة القروض.
واستمر نمو الودائع لدى البنوك الكويتية وبلغت في نهاية عام 2014 نحو 47.4 مليار دينار كويتي شاملة ملكيات ودائع فروع أو بنوك مملوكة لمصارف محلية في الخارج، برقم للودائع المحلية بحدود 36.5 مليار دينار كويتي، ضمنها نحو 61.8% ودائع لأجل وهي نسبة عالية وتمثل عامل استقرار لنشاط البنوك في الإقراض. عزز ذلك وضع السيولة لدى البنوك والتي ارتفعت مقارنة بعام 2013 لتبلغ نحو 20.4 مليار دينار كويتي، وبلغت نسبة السيولة الأساسية ضمنها نحو 80.5%.
وانعكس ارتفاع مستوى الأصول ونمو محفظة القروض على ارتفاع صافي الأرباح المجمعة، بمساهمي البنوك الكويتية (التقليدية والإسلامية وبنك الكويت الصناعي) إلى نحو 656.4 مليون دينار كويتي للسنة المالية المنتهية في ديسمبر 2014، مقارنة بمبلغ نحو 519 مليون دينار كويتي في نهاية ديسمبر 2013، بزيادة قدرها نحو 137.4 مليون دينار كويتي، وبنسبة نمو بنحو 26.5%.
ومن المؤكد أن البيئة العامة قد اختلفت في عام 2015 وما بعد، فسوق النفط يمر بمرحلة سلبية مفصلية، والأحداث الجيوسياسية تزداد اشتعالاً، ولا يمكن الفصل بين أوضاع سوق النفط والتداعيات الجيوسياسية. لذلك من المتوقع أن تبقى أوضاع المصارف سليم، ولكن استمرار البيئة العامة في أدائها السلبي سوف ينعكس على أداء المصارف مستقبلاً، ونعتقد أن تقرير الاستقرار المالي عن 2015 وما بعد سوف يكتسب أهمية اضافية.
2. سوق النفط
يتعرض سوق النفط في الوقت الحاضر لضغوط سلبية، تتسبب فيها عوامل مختلفة، أولاها ضعف نمو الاقتصاد العالمي الحالي والمتوقع، والاتفاق النووي الإيراني الغربي بما يعنيه من احتمال تدفق مزيد من النفط الإيراني عامل ثاني، صراع أعضاء أوبك على حصص الإنتاج عامل ثالث، وتقدم تقنيات إنتاج النفط غير التقليدي عامل رابع. طبيعة هذه العوامل الأربعة هي أنها ذات تأثير سلبي متوسط إلى طويل الأمد، أي أنها ليست مثل العوامل الجيوسياسية التي يمكن أن تنتهي ضمن أجل معلوم. ويزيد الأوضاع سوءاً، أن إقليم الخليج بات مضطرباً سياسياً، والعنف ولج بعض دوله، ويطرق باقي الأبواب من كل صوب، وذلك يجعل شحة الموارد يتزامن من انحراف في توظيفها. فالجهد العسكري والأمني يحصل على نصيب متزايد منها، وشراء الود السياسي يضخم النفقات الجارية، أي أن متطلبات التنمية المستدامة ليس فقط لا تحصل على نصيبها، وإنما تتآكل بسبب تكاليف إصلاح ما دمره العنف، ويقوض الإنفاق الجاري تنافسية اقتصاداتها.
هذا السيناريو وإن اختلفت بعض العوامل المؤثرة، تحقق بدءاً من ثمانينات القرن الفائت، واستمر عقدين من الزمن، والحصيف هو من يتعظ بالتداعيات المخيفة التي زاملته. وفي الكويت، يؤكد محافظ بنك الكويت المركزي السابق ونائب رئيس الوزراء وزير المالية الأسبق في مقابلة مع جريدة الجريدة، بأن العجز المالي -عجز الموازنة- في الكويت أعلى مما تظهره الأرقام الرسمية، فنفقات التزامات التأمينات الاجتماعية وسداد الدين العام والتزامات بنك الائتمان الكويتي -الإسكان- ولاحقاً مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية وغيرها، تقتطع ومن خارج الموازنة، تلك الإيرادات المتآكلة. ولعل الالتزام بفلسفة الإسكان الأفقي وأثره على المتاح من النفط للتصدير، وقدوم 420 ألف جديد إلى سوق العمل خلال 15 سنة قادمة، وازدياد السكان ومعهم تكاليف البنى التحتية والدعم والخدمات، كلها وغيرها تأكيد على استحالة الاستدامة للسياسة المالية في ظل ضعف متوسط إلى طويل الأمد لسوق النفط.
ولم يعد إصلاح المالية العامة خيار، وتثبت تصريحات وزير المالية الأخيرة بأن كل التحذيرات القديمة تحققت، الفارق فقط، هو بأنها كانت تحذيرات متفائلة، وتحقق الأسوأ قبل أوانه وفقاً لتلك التحذيرات. التحدي من أجل إصلاح جوهري كبير وحقيقي، لن يتحقق في بيئة طاردة ضمن الإدارة العامة –مجلس الوزراء-، كان أحد ضحاياها وزير المالية الأسبق. ومثل هذا التحدي كان من الممكن أن يكون محتملاً وربما غير موجود، لو أن الإصلاح بدأ في حقبة رواج سوق النفط، أما بقاء الإدارة العامة ونهجها، وهي التي فشلت في الإصلاح في تلك الحقبة، واستمرارها في تولي مهمة مواجهة هذا التحدي الكبير، فهو أمر للأسف، فيه تضحية بالبلد.
3. أداء الاقتصاد العالمي
يبدو أن حقبة جديدة من أداء الاقتصاد العالمي تتسم باستقرار الأداء الموجب، ولكن الضعيف، ودون المستويات التاريخية لحقبة ما قبل أزمة العالم المالية في عام 2008، حقبة أصبحت واقع مقبول. فبعد نمو بحدود الصفر في عام 2009، إرتد الأداء إلى التعويض بمعدلات نمو مرتفع بلغ 5.3% و3.9% و3.4% في السنوات 2010 و2011 و2012 على التوالي، إلا أنه عاد إلى التباطئ في عامي 2013 و2014 ليحققا 3.4% لكل منهما.
وفي تقرير يوليو الجاري لصندوق النقد الدولي، استمر في تعديل توقعاته لأداء الاقتصاد العالمي إلى الأدنى، وأصبحت 3.3% لعام 2015 بدلاً من 3.5% في تقرير أبريل الفائت. ولأن الصندوق يعزو قوة الأداء لارتداد موجب في أداء الاقتصادات المتقدمة، يعتقد أن الظروف المناخية الصعبة في أمريكا الشمالية في ربع السنة الأول الذي أدى إلى ركود الاقتصاد الأمريكي وهو أقواها أداء، كان السبب الرئيسي في خفض مستوى أداء الاقتصاد العالمي. ولأنه يعتقد باستعادة الاقتصاد الأمريكي لزخم نموه ومثله الاقتصاد الأوروبي بعد تحسن أداء اقتصاداته المريضة مثل إيطاليا وأسبانيا بالإضافة إلى النمو الموجب غير المتوقع لليابان، ودعم ضعف سوق النفط لهذه الاقتصادات، أبقى على توقعاته عند 3.8% لعام 2016.
وسوف يلازم الأداء الموجب والضعيف نسبياً الاقتصادات الناشئة والنامية المحفزة لنمو الطلب على النفط، ومع استثناء وحيد للهند، سوف تعاني اقتصادات دول البريكس -BRICS-، وبعضها سوف يحقق أداء سالب في عام 2015. أسوأها أداء روسيا بنمو سالب بحدود -3.4% بسبب ضعف سوق النفط وأحداث أوكرانيا، تليها البرازيل بنمو سالب بحدود -1.5%، بينما تستمر جنوب أفريقيا بحدود الأداء الموجب الضعيف عند مستوى 2%، ويهبط معدل النمو في الصين من 7.4% في عام 2014 إلى 6.8% للعام الجاري. وحدها الهند كانت الاستثناء، ويبدو أنها النجم القادم الجديد، حيث من المتوقع لمعدل نموها أن يفوق المعدل الصيني لأول مرة ببلوغه 7.5% في عام 2015، متفوقاً عليه بنحو 0.7%، ويوسع هامش التفوق في عام 2016 إلى نحو 1.2% عندما يحافظ على مستوى نموه عند 7.5% بينما تهبط توقعات نمو الاقتصاد الصيني إلى 6.3%.
إقتصادات إقليم الخليج تحت الضغط أيضاً، أكبرها الاقتصاد السعودي أحد أكبر 20 اقتصاد في العالم، وخفض الصندوق توقعات النمو الضعيف في الأصل بنحو -0.2% و-0.3% لعامي 2015 و2016 ما بين تقرير أبريل الفائت وتقرير يوليو الجاري. وقدرت معدلات النمو له بنحو 2.8% في عام 2015 تهبط إلى 2.4% في عام 2016، ويعزي ذلك في معظمه إلى التوترات الجيوسياسية وإلى ضعف سوق النفط، ومؤخراً أعلنت السعودية الاقتراض لتمويل عجز الموازنة. والتحدي الحقيقي الذي يواجه الاقليم تحدي إداري بالدرجة الأولى، يرتكز على قدرة إداراتها على تغيير جوهري في نمط سياساتها المالية ما بين فترة رواج سوق النفط وكساده، وآخر على الجبهة السياسية يرتكز على قدرتها في تسوية خلافاتها الخارجية والداخلية سلمياً.

No comments:

Post a Comment